الوثيقة الرّعناء والموِقف الأرعَن

     أبو وائل
الولايات المتحدة الأمريكية

غُبن غير مبرَّر يتحوَّل إلَى حروف وجُمل سوداء تُترجمُ إلى كارثةٍ باهظة الثمن يدفعُ ريعها الخاسرالجناح الثاني والشريك الأساسي لوطن ثنائي الثقافة ، يرزح تحت وطأة الظلم والأستبداد ، ومحاولات إمحاء زائفة تمضي في طريقها مستهينة بحقائق التأريخ وأوصال روابط التعايش في أكبر حملة نكراء ، لأذابة وتعطيب جناح الشريك ودوره المشهود في وطن يسع ثناياه لكل الشعب الذي قدم له التضحيات الجِسام من أجل عيشة كريمة وحياة هنيئة رغيدة وتحقيق أحلامها في  إشاعة روح الديمقراطية والتعددية السياسية بكل أطيافها والوانها المتعددة في وطن يستوعبُ أبنائه بشكل متوازن .
غُبن عميق يرجع بصاحبه إلى أزمانٍ مبكرة وأحقاد دفينة ، تتسبب في أكبر كارثة وأعمق جُراح إنعدم بلسمهُ على الأطلاق ، يستدعي مناّ وقفة وطنية حقيقية مُسندة بالحقائق والتأشير على محدداتها الماثلة أمامنا للوصول على مكامن مخاطرها والظروف والملابسات السياسية لتلك الجرائم وموقعها من إعراب الأعراف الدولية وحقائق تستند على الأدلة والبراهين لايمكنُ إنكارها ويكفي أن تكون هذه الوثيقة على أيدي ومسمع كل الأرتريين منذ صدورها وإنتشارها منذ ما يُقارب الخمسون عاماً وإلى يومنا هذا  والتي لاتُعرف آفاقها وإمتداد مخاطرها وتحديد المحطات التي سوف تتوقفُ عليها على مستوى الخارطة السياسية الأرترية المؤشرة تأريخياً .
نحنُ وأهدافنا وثيقة تحمل في طياتها قراءات واضحة الأهداف والمرامي بكل أبعادها السياسية والأجتماعية والعسكرية والأمنية المتكاملة ووسائلها الخطيرة التي تحاول أن تجعل من هذا المخطط في مأمن تام من إختراقه والتصدي له وذلك بإتباع وسائل المسخ والأذابة والطرد والتنكيل وتغيير الملامح الجغرافية ووسائل التغيير الديمغرافي الذي تسبب في إنعدام العدالة الأجتماعية بشكل مطلق ..
لقد تم كشف الوثيقة بشعاراتها وأهدافها والتأشير على المشمولون بها من نظرةٍ طائفيةٍ بحتة وتمريرها منذ وقت مبكر وتحديداً في ستينيات القرن المنصرم ، حيث إختصرت قراءتنا لها على منطلقاتها النظرية دون بذل الجهد والعمل على مواجهة الأخطار المحدقة بنا من جرَّاء السموم التي توجد في أحشاء أجندتها أو حتى التفكير المفترض في كشف وتعرية هذه المخاطر وكأن لسان حالنا يقول بإننا من المروجين لها وكأن الوثيقة لاتعني الشريك بشكل مباشر حتى بلغت أشدها وإستطاع أصحابها بترجمة منطلقاتها النظرية إلى واقع العمل الملموس حين تم تطبيقها على الأرض ، والعِرض ، واللغة ، والهوية ، ... وأحبال مخاطرها على الجرّار .
لم تشهد الساحة الأرترية وتنظيماتها المقاتلة الوقوف على قراءة وثيقة نحن وأهدافنا قراءة مستفيضة ترمي إلى كشف مخاطرها السياسية والأجتماعية التي تنخر بأنيابها الطائفية والدكتاتورية على خارطة الوطن ومحاولات تقطيع أوصال الأنسجة الوحدوية التي تربط الشعب الأرتري عبر التأريخ على الأطلاق ، وإذا كانت هناك من مسببات يتوجب ذكرها في تلك الفترة من الممكن تلخيصها في الآتي   
١. إنعدام إستراتيجية موحدة للنخبة التي كانت القرارات السياسية بيديها في عهد الكفاح المسلح والتي كانت تنطلقُ من مبررات واهية في الدفاع عن الشريك على حساب الشريك الآخر بحجة الأفكار المتقاربة والدخول معها في  مراحل التصنيفات الفكرية والعقائدية ، تلك الحسابات التي لم تكن واقعية ومنطقية إذا نظرنا إليها من رؤية ومواقف الشريك المقابل ونظرته الطائفية وخطابه السياسي المختلف تماماً في الرؤيا لاسيما ومرحلة الثورة والفترة الزمنية المبكرة التي كانت فيها الوثيقة في التداول من جهة وإمتناع الشريك المنسي في معالجة وردع هذه التوجهات في مهدها وعدم بذل الطاقات في إطفاء فتيلها الذي أصبح السرطان في جسم الوحدة الوطنية قبل وبعد الأستقلال في إرتريا من جهة أُخرى . 
٢ . تجاهل مخاطر الوثيقة وعدم التفكير في وأدها ، حيث كان بإمكانها وضع مناقشة الوثيقة على جدول أعمالها لاسيما فإن جبهة التحريرالأرترية في مقدمة أول من كشف على  وثيقة نحن وأهدافنا وما تلاها من اللقاءات الخطيرة التي قدمها ودي جورجوا والتي تمت تصفيته جسدياً في إثيوبيا بيد مجموعة إساياس التصفوية عام ١٩٩١
٣. العاطفة الزائدة بإسم الوطنية تجاه الشريك وتراخي الجانب الأمني
لحسم التوجهات الخطيرة في مهدها وإيقاف مخاطرها .
٤ . الأفكار الحزبية وموقفها المتذبذب تجاه أجنحة الوثيقة والتقييمات الخاطئة التي بلغت ذروتها في التصفيات الجسدية لفصائل خارج دائرة الصراع ..
أما مجموعة الوثيقة إستغلت أجواء التراخي وعملت جاهدة في إنجاح مخططاتها بكل السبل التي أمامها وإتبعت إتجاهين أساسيين من أجل ذلك والذي  من الممكن تلخيصه في الآتي
أ . القيام بإختراق جسم الجبهة من الداخل من خلال مجموعة الفالول المتمردة في الوقت الذي أصبحت فيه الجبهة تمسك بزمام المبادرة العسكرية والسياسية في يدها بعد أن أصبحت إنتصارات الجبهة على العدو الأثيوبي قاب قوسبن أو أدنى والتي شهدت هذه المرحلة تحرير الريف بشكل كامل والبدئ في تحرير المدن التي بدأت بتحرير مدينة
 تسني وعلي قِدِر وقلوج وأم حجر وإستمرار الزحف إلى المدن الكبيرة وتحرير مدينة أغردات ومندفرا وعدي خالا وبيلول وبرعسولي وطيعو وذلك من خلال التصدي لحملة المسيرة الحمراء وإفشالها في العام ١٩٧٦ -١٩٧٧.
في هذا الظرف الذي شهدت فيه الجبهة نشوة الأنتصارات ، قامت مجموعة الفالول بأدوارها التخريبية والذي كان أهم المرتكزات الموكلة عليها خلق البلبلة من خلال إفتعال حروب نفسية تحد من معنويات المقاتلين والقيام بتخريب الآليات القتالية الثقيلة وغيرها من الأعمال التي كانت تشكل أخطر مراحل قامت بها مجموعة الفالول المزروعة في داخل الجبهة .
ب . قيام الجبهة الشعبية الأرترية وبالتحالف مع فصيل وياني تقراي البدئ بالهجوم على جبهة التحرير الأرترية وعلى كل الجبهات وذلك بدءًا من ٢٨/٨/١٩٨٠ - ١٠/٨/١٩٨١
هذه كانت اللوحة السياسية بكل مآسيها ومراميها الخبيثة التي نعيشها في الوقت الراهن ، فهل نتأثر ونُؤثر اليوم بما يدور حولنا من الأحداث أقليمياً ؟ وهل تُصبح  الأنتصارات الشعبية التي تتحقق من قطر إلى قطر آخر تزحف بأصدائها الهادرة إلى إرتريا ويكتمل الأنتصار ؟ وهل الثورة المراد إشعال فتيلها من الداخل تستطيع أن تحطم آلة الوثيقة الرعناء وتتحقق العدالة الأجتماعية في إرتريا ؟
إنها حقاً مطالب الساعة فالننتظر إلى مضابط حوارها من الداخل .