Welcome to http://www.omaal.org g مرحباً بكم في أومال صوت جموع المناضلين من أجل الديمقراطية والسلام .. المقاومين للظلم والدكتاتورية الإنعزالية في بلادنا / صوت الذين لا صوت لهم
22/01/1446 (28 يوليو 2024)
التصفح
· الرئيسية
· أريتريا في سطور
· الأخبار
· التحليل السياسي
· المقالات
· حوارات
· سجــل الخالدين
· قادة ومؤسسون
· مجموعة الأخبار
· جداول الجنود الهاربين من الخدمة العسكرية للنظام الديكتاتوري
· آداب وفنون
· دراسات ووثائق
· الاتصال بنا
· معرض الصور
· البحث
· دليل المواقع
· الذكرى 49 لإنطلاقة جبهة التحرير الإرترية
· ملفات PDF
 قصة : المدن وأشباح الليل  / بقلم الحسين علي كرار

 قصة : المدن وأشباح الليل     

الحسين علي كرار

الموقع :  مدينة بارنتو

الزمان : 1967م

 

في الشتاء القارس في ذلك العام الذي كان الجو فيه مشحونا ومحموما بالغليان والإضطراب  ، إذ ساد الخوف والجزع قلب جيش الإحتلال الأثيوبي ،لقد كانت المعارك الحاسمة والعمليات الفدائية الجريئة داخل المدن الأرترية بلغت ذروتها في ذلك العام ، وكانت كل المقدمات والدلائل تنبئ بأن شيئا ما سيحدث ، فالحقد الداكن يسود المستعمرين وكانت عيونهم ترمي بعلامات الإستفهام نحو الريف البريئ  ، وقد أحس الشعب بذلك وتوقع الكثير  ، ففي صيف ذلك العام طبقت أثيوبيا سياسة الأرض المحروقة ودمرت المدن والقرى وشردت الآلاف وإستبدلت سنين الرخاء بالسنين العجاف   .

ولد الشهيد في الريف الارتري وإستقرت الأسرة  في مدينة بارنتو ، ونشأ هناك وسرعان ما إنتمي إلي إحدى الجماعات الد ينية لإصلاح ما أفسده الدهر في عقائد الناس ، وكان يجول في المساجد ويحث الناس بالمواعظ والإرشاد  ، كان قوى البنية طويل القامة كث الشارب عنيد لا يخضع إلا لله     .

ولما حلت الكارثة با لشعب الارتري وإنفجرت الثورة لم يكن بد للشهيد إلا أن ينضم في صفوف العاملين داخل المدن  ،  حرض إبنه لحمل السلاح مع الثائرين ، وكان يقوم بحملات التوعية ضد المستعمرين ،  وكانت هناك عيون البرابرة والجوا سيس تترصد له بالمنظار ، حامت حوله الشكوك وكثرت عليه المضايقات والتنكيل وحملات التفتيش والاعتقال ، وكان يعلم أنه بانتظار اليوم الموعود  ، نصحه أحد أصدقائه أن يغادر إلي البلاد المجاورة لأن عين الغدر قد تتحين الفرص حين تكون مواتية للوثوب  ، فقال الشهيد وقد ثارت حفيظته  ، أتريدني أن أترك بلادي التي ترعرعت فيها فريسة لهذه الطغمة الظالمة ، فالذي يجب عليّ وعلي كل أرتري هو أن نصلي هؤلاء بالوعيد ونفجر عليهم كل خطوة تطؤها أقدامهم  ،  وتقول كذا وكذا فإننا دعاة حق وصاحب الحق لابد له أن يتكبد ويصارع كل المشاق في سبيل حقه وخير دليل علي ذلك قول الرسول عليه السلام ( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر علي يساري ماتركته أبدا أو أهلك دونه )  كان ذلك عندما طلبت قريش من عمه أبي طالب أن ينصح ابن أخيه علي أن لا يسفه أحلامهم ويترك ما يدعو اليه  ، فإذا كنا نحن أهل حق فلا بد أن نصمد ونكافح حتي النصر  فإن الذي ذكرته قد يكون القليل ويجب أن نصبرعلي الكثير وإن الذي تراه لم يكن إلا من عند الله وإن هذا البلاء الوابل وهذه المصيبة المزلزلة لا كاشف لها إلا الله  ، فهل تريدني أن أجزع من القضاء والقدر ؟ أولم تسمع بالحديث القدسي ( من لم يرضي بقضائي ولم يصبر علي بلوائي فاليطلب ربا سوائي )  أبعد هذا تريدني أن أجزع ، فأنا صابر وراضي علي كل ما هو آت  .   ثم أخذ يتنفس طويلا ويقول ( لو علمت أن اللجوء لا يحميني من الموت وأن الموت يصيبني أينما كنت وإنني ما حسبتك يوما ستدلني علي شئ يفرق بيني وبين وطني وأهلي وأحبتي فلو نصحتني بنصيحة أخري نرهق بها عدونا كان أجدر وأجدي بك  ،  ثم تناول إناء الماء الذي كان قربه ليخمد به ذلك البركان الذي أثاره صديقه   .

فرد عليه صديقه الحميم متأثرا بتلك الكلمات العميقة وتلك السحابة التي تركها علي ذلك الوجه الذي زاد ه حرمانا ( لقد كنت علي ثقة ويقين بأنك ستنكر ما قلت ولم أقصد بذلك شيئا  بل أردت أن أخذ رأيك فوجدت فيك الصديق الصدوق والمناضل المخلص الأمين والعارف المؤمن الغيور  فقد تصلح الأمة بك وإن وجودك بيننا يمنحنا ثقة وطمأنينة فسر فالله يرعاك وسنرهق العدو ونكبّده الكثير ) وفي يوم من أيام ذلك الشتاء في تلك المدينة المأساوية كان الليل قد أسدل جنحه وكانت السماء ملبدة بالغيوم و تزداد ظلمة ودكانة وكان الناس في خوف من الأشباح المتحركة ليلا ٍوسرعان ما إنكشف حاجب السماء والناس نيام والأبواب مشدودة محبوكة بالسلاسل مدشونة بالحجارة فالكل خائف من تلك الأشباح وربما كان هذا التحصين ليعطي الضوء الأحمر إذا طرق الباب ليحذر رب الدار ويأخذ مكانه  . كان شهيدنا أحد هؤلاء يربط بابه بالسلاسل والحبال ويرجمه بالحجارة  ،  فلا ريب ولا شك أن ذلك يبدأ من الثامنة مساء لأن حظر التجول مفروض في جميع المدن الارترية  .

وفي منتصف الليل إستيقظ الناس علي إطلاق الرصاص ، وبهاوة النيران وتنازع الخوف الأهالي وظن بعضهم أنها بعض العمليات الفدائية وظن الآخرون أنها بداية لهجوم تقوم به قوات جبهة التحرير وسر وطرب كما إعتاد وظن أنه سيسمع أزيز الكلاشنكوف والبرين وهي تصب نيرانها في قلب قوات العدو ، بينما ذهب أخرون إنها هجمة بربريةغادرة وقد صدق ظنه وأصبح يقينا حينما رأى النار تشب وتندلع وتشق عنان السماء وتأكل الدور يموج لهيبها يمنة ويسرة تحولها الرياح كما تشاء وتبعث مع الرياح شوائها التي تثير غريزة الوحوش التي يصعب عليها أن تنال منه ما يسكت بطونها الجائعة  ،  ويعم الفزع والجزع تلك المدينة التي كانت هادئة قبل قليل وترافع الصراخ وإضطربت الأمهات وظرفن الدموع وإن دموع الأمهات لأصدق تعبير للمحنة يمنح للأبناء ، حتي الكلاب قد تركت النباح ولم تثق بمكان تأتمنه وتلجأ اليه وأصبحت في تيه وحيرة وأخذت تقف مذهولة تلهث كأن بها ظمأ منذ سنين ، ثم ساد الهدوء أرجاء المدينة إلا تلك الأسرة التعيسة التي أغرقها طوفان النار بأمواجه فحصدت الدور وأحالتها الى أكوام من الرماد ، وخلف تلك الأبوا ب المغلقة كان الذكور متأهبين الكل ينظر الباب ومتي سيطرق وبعد فترة أخذت النار تتلأشي وأخذ الهدوء يسود النفوس التي بلغت الحناجر ولكن ما قصة تلك الطلقات وإندلاع النار ؟ فمن أين تأتي الأخبار إذا كانت الأبواب مضروبة بسد يأجوج ومأجوج وكيف يصبر الإنسان علي ذلك وقد شاهد الأنكر وهو مقيد بأصفاد الجبروت ، فستحكي الأيام للأجيال القادمة كيف كان الآباء والأجداد يجرون إلي أعمدت المشانق وكيف كانت الأمهات تمتهان  ، فحرارة الصيف تصيب النخاع ورمضاء الشمس تشوى القدمين والأم تجرى في السهول وفي الود يان ولم تجد المكان  الذي  تأوى إليه فقد أكلت النار مأواها  ،  وهذا العجوز الملهوف كوت الشمس جبينه وأدمت الأرض قدميه يتصبب عرقا فترا وغما وجسمه مخطط بضربات سيوط المستعمرين ويسير تحت ظل التعذيب وعليه ذخيرةالجبخان وعدة الجنود  ولا يعلم ماذا حل بأسرته وهمه أين المال وأين البنون فقد أصبحوا خرابا وسرابا   .

وفي صبيحة ذلك اليوم سيق الجميع إلي ميدان المدينة وإن شئت قل إلي محشر المدينة فكانت هناك جثة الشهيد بين القضبان معلق ممدود اليدين وكان الحزن والإضطراب يسود الجنود الذين يحيطون بالمحشرين  ، وجاءت سيارة جيب كانت تحمل قواد المستعمرين ومعهم إمرأتان ومن يعلم أن الأرض إبتلعت الثالثة التي هي زوجة الشهيد فالأرض ترحب بكل جديد ودفعوهن عنوة إلي الأمام ليشاهدن الفزع الكبير فقد أخذت المنيّة المعوّل الكريم ، فرفعت الكبرى يديها إلي السماء ودعت لأخيها الذي تكبره في السن بفاتحة الكتاب ثم  رّدت قائلة تخاطب أخاها الذى شغفته بحبها وحنانها ( لقد ولدت لهذا اليوم ولم تترك لي ثأرك فإن أحب شيئ لقلبي منيت به هؤلاء الطغات الأوغاد ، وإن مثولي أمام مشهدك الذي يغلي سليقتي لا يمكن أن يلكأني أو يحيد ني عن الهدف الذي ضحيت في سبيله بنفسك )  .

فعّنفوها لطما وضربا  ، أما الصغرى فلم تتحمل الفجيعة ومنظرها البشع وكانت تندب وتدمدم فكم كان منظرها يفتت القلوب ولن تفكر أين سترسو بها هذه السفينة المليئة بالخطوب وقد عفتها المنية من حبل الوريد إذ كانت زوجة إبنهم المقاتل في صفوف المناضلين ولم يعرفوا ذلك فأطلقوا سراحها تخزها الآلآم لتخرج بها في عالم جديد  .

ولكن لماذا هذا الرعب والضجيج والعربات المصفحة والأعداد الكبيرة من الجنود في الشوارع  ؟ ولماذا ذلك الوجوم والإكتئاب في وجوههم ؟ وكيف كانت مقاومة الشهيد وثأره ؟ لنعرف ذلك فالنعد قليلا إلي ذلك الأستديو الذي كان فيه ذلك المشهد الرهيب

كانت فوق ذلك التل الذي يتوسط المدينة في تلك الليلة تفحص الملفات وتعرض البيانات والأسماء المحظورة علي القائد الذي كان جالسا علي كرسي الخيزران متأهبا حاملا مسدّ سه  وكان هذا القائد يترأس الأشباح الليلية التي كانت تنشب أظافرها لتسكت بها نبضات المناضلين وجيئ به إلي هذه المدينة بعد ما نفدت منه ملفاته البشعة بمدينة أخري  ، فقمع فيها كما إعتاد وضربها بضربة الحديد والنار  وكانت العادة عندما يضع الليل جنحه ويعم الظلام كانت أصابع هذا العقيد تتحرك لتترك بصماتها علي أولئك الآمنين لتتقبلهم الأرض بفاها الفاغر ، ، إرتدي تلك الليلة بزته العسكرية وأخذ  معه الجزارين ليطلب تلك الملفات التي كانت تعرض أمامه ليبحث شاته التي تدر له بالدماء الغزيرة ، وكان يجهل أن هذه الليلة ستذبل فيها زهرته النشوة التي سقاها بتلك الدماء التي كانت تسفكها يديه وتلك الدموع التي كانت تظرفها عيون أولئك البؤساء الذين كانوا يفقدون حبات القلوب  .

واختار اسم الشهيد من ملفاته القذرة واستقل بفرقته سيارة جيب عسكرية إلي ذلك الرجل الآمن في داره ليصبح قربا نا يتقرب به لصاحب الجلالة هيلي سلاسي  ،  فأنزل جنده وقاوم رجمة الباب وحزمة السلاسل المحبوكة  ، وأزال الحاجب المانع وأخذ يسير ويتبجح في مشيته يعلوه الغرور رغم الحلوك وتدلي السحب الداكنة يتبختر ويومئ برأسه ويشير بيده إلي جنده الذين أحاطوا بمنزل الشهيد ، وأراد أن يمسك الشاة بأذنها بنفسه فدخل باب البيت فهبط جثة هامدة دون نفس أو حركة وتلاه زميله ليأخذ نفس المصير المحتوم شاهقا بشهقة فظيعة ، وأخذ أحد الحراس يطلق الرصاص والرعب قد تسرب في قلبه وجسده ويجهل أين يصيب بتلك النيران الغزيرة فباغته الشهيد بطعنة بليغة بخنجره الذي أغمده في قلب الملازم وقلب العقيد  ، وكان هذا الغادر قد أصابه بإصابة مباشرة لترفع بها روحه إلي بارئها المنون  .

فجن جنونهم وبطشوا بالدار وأشعلوا فيها النار لتمح بها تلك الظلمة الداكنة لفترة من الزمان  . ولم تكن تلك الرّيحة التي أثارت غريزة  وحوش القاش المفترسة إلا الماعز والأغنام والإتان التي كان يملكها  ، إذ جمعوها في كوخ كان قد جعل ليقيها من تقلبات الطقس  فدخلته لتزيد بدسمها وعظامها في إشتعال ذلك الحريق   .

وما فعلوا ذلك إلا إستشفافا لغليلهم وإرضاء لنفوسهم الضعيفة ولو علموا حقيقة هي لا النار ولا الدماء ولا الوعيد قادرة لتطفئ تلك الشرارة التي فجرها شعب ليبسط سلطانه علي أرضه رافعا راية النصر المحتوم    .

أحدث المقالات
· البرنامج السياسي الم...
· لا استطيع ان انعى قا...
· بقلوب راضية بقضاء ال...
· في ذكرى الاستقلال : ...
· في ذكرى الرحيل المر ...
الدخول
الاسم

كلمة السر



نسيت أو فقدت كلمة السر؟
يمكنك الحصول على كلمة جديدة من هنا.
الزيارات غير المكررة: 47,619,891 وقت التحميل: 0.19 ثانية