وداعـا: محمـد نـور عثمان
نشر من قبل omaal في 05:56 صباحا - 03 02 1435 هـ (06 12 2013 م)

وداعـا: محمـد نـور عثمان


تفاصيل الخبر

Abou Hashem A2.jpg

وداعـا: محمـد نـور عثمان

كـل مـن عليهـا فـان ويبقى وجـه ربـك ذو الجـلال والاٍكـرام:

عـزاء وتـرحم ورثـاء، يتجـدد مـع كل فجيعـة جـديـدة ذات صلـة بالأجيـال التى ناضلـت وتحـدت النفـس قبـل تحـديهـا للأخـر بمختلف أشـكاله الـداخليـة منهـا والخارجية، عـزاء ورثـاء وبكاء ونحـيب يتجـدد بكل ما يحمـل مـن آلام وأشـجان وهواجـس كلمـا غـاب عـزيـز عـن دنيانـا الفانيـة، هـذا هـو مـدارنـا الـذى نـدور حـوله منـذ عشـرون عامـا مـن هـذا الـزمـن الـردئ الـذى أفقـدنـا الآبـاء والامهـات والأحبـاب والكـرامـة والشـمـوخ على السـواء وفـى اكثـر مـن موقـع جغـرافـى نتـيجـة لسـوء دورانـه غيـر المتـوازن، فهـو حقـا زمـن كـدر ونكـد، زمـن لـم يسـتثن أباؤنـا الأجـلاء وأحبابنـا الصغـار، وفـوق كل ذلك أفقـدنـا مـلاعـب صبانـا الـتى لا عـوض لهـا الآ بهـا. وكـرة أخـرى هـا هـى تتجـدد الأحـزان الأليـمـة لتفـرض علينـا قـراءة مـوال الـذكـريـات التـى لـم ننسـاهـا بعـد، ومـرة اخـرى تتجـدد الأشـجان فتقـرأ صفحـات ملـونـة مـن ماضينـا متعـدد المحطـات والمـواقف، فهـذا حـرف مـن مـاضينـا الأخضـر وهـذه سـطور مـن ماضينـا الأحمـر ومحصلة ذلك هي صفحـات مـن ماضينـا وحاضـرنـا الأغبـر الـذى يعتبـر الأكثـر سـوادا اذا مـا قيـس بمثيلـه، لمـاذا كل ذلك ..!!؟ هـل حقـا هـو ثمـن الحـريـة الأسـيـرة ..!!؟. هـل هـو مـن أجـل تحـقيق مسـتقبـل أكثـر اٍخضـرارا أم هـو خبـط عشـواء علـى آلـة لا نعـرفهـا ولا نعـرف كيفـيـة تحـريـك اسـطـواناتهـا غيـر المـرتبـة، لا هـذا يجـدى ولا ذاك ولـكن لابـد ان نقلـب صفحـات الـذكـريـات من جـديـد، فنبكـى وننـوح علـى غيـاب أحبائنـا وعلـى أيـام ماضيـات عشـناهـا تحـت سـلطـان الجـوع والعطـش ولكـن بكبـريـاء عظيـم وتفائل أشـبه بحقـائق مـرئية. ومـن جـديـد لا بـد ان ننكـأ الجـراحـات ليـس بغـرض تطهيـرهـا او تعقيمهـا، ولـكن هكـذا مـن غيـر سـبب وجيـه، ومنـذ تـلك السـنوات العشـرين التى لا تشـابهنـا ولا تماثـل ماضينـا العـريق ­- أسـتمـرءنـا مـوال بكاء الأيتـام والضعفـاء تحـت عنـوان أداء واجـب عـزاء علـى مصـاب جـلل يتجـدد مـع صبـيحـة كل يـوم جـديـد. أقـول ذلك لكننى أعلـم تمامـا ان لا جـديـد فـى الأمـر، وان الـذى مضـى لا يمـكن اٍن يعـود، لأن حـركـة الزمـن فـى هـذه الحـالات تنـازليـة متناقصـة، لا لشـيئ ولـكن بحكـم العـادة وربمـا بفعـل الجاذبية، اذا لابـد مـن حـك الجـراحـات وتجـديـد الآلام باٍسـم العـزاء وبفعـل المعـزيـن ولـذكـر مـن ننسـج خيـام العـزاء لنـذكـرهـم حتـى نشـبـع مـن ذكـرياتهـم. عليـه أعـزى نفسـى لأنكأهـا واعـزى أسـرة العـزيـز أبـو هـاشـم ممثلـة فـى ابنـه المكلـوم الصابـر الـذى داهمـه نبـأ هـذا الـرحيـل المفاجـئ وهـو يمني نفسـه بـرؤيـة وجهه الصبـوح وثغـره الباسـم دومـا. أيضـا اعـزى احفـاده الـذيـن لم يتثن لهـم الاجتمـاع الى الجـد الجـاد والجـدة الحنـون منـذ مـرض الحـبيب الراحل.

في صبيحـة يوم أغبـر مضـي الحـبيب هـكـذا بحنانه الـدافـق وعطفه الذى غطـى مسـاحات الأهـل والأصـدقاء ولـم يسـتثن المعـارف والخصـوم، اليـوم آن أوان التـرحم علـى أرواح كل شـهـداءنـا الأعـزاء، ومـن جـديـد آن أوان الـرثـاء والبكـاء علـى كل الأحبـاء الـذين رحـلوا عنـا مبكـريـن، كل ألـذين كانـوا أسـود سـاحاتنـا وأبطـال نضالنـا مثلمـا كانـوا رجـال الفـداء وشـيوخ مجالـس الصـدق.

في منتصـف ليلـة الثـلاثـاء هاتفني الأخ الـدكتـور محمـد ابـراهيـم الـذى يـقف دائمـا الى جانب النضـال والمناضلـين، ويبـدو أنـه كان واقفـا بقـرب جثمـان الحـبيب الـراحـل بٍاٍعتبـاره صـديق عمـره وشـريك همـومه الخاصة والعامـة، عنـدئـذ علمـت بـرحيـل الحـبيب أبـا هاشـم قبـل أن يتفـوه بـه صـديقه الصـدوق، فأصبـح الـزهـول سـيـد الموقف حـيث سـلطـن علـى الموقف برمته ممـا ادى ذلك الـى اٍنقطـاع الحـديث بيننا ومـن ثـم انتهـاء المحادثـة. رحـل الكثيـر مـن أحبابنـا وأسـود نضالنـا وسـيظل الـرحيـل متجـددا مـع بـزوغ فجـر كل يوم جـديـد، وهـا هـو اليوم يـرحـل عنـا الحـبيب " أبـا هاشـم" الـذى لـم نتمكـن مـن الوقـوف ضمـن صفـوف المعـزين في رحيلـه. رحـل اليـوم أحـد اصدقائنـا الخلص، رحـل اليـوم أحـد أئمـة نضالنـا الـذى لـم يكتمـل، رحـل المناضـل الصامـد الـذى قاتـل فـوق تـراب أرضنـا على ضفتي نهـرنـا العظيـم بسـيف واحـد ورمـح واحـد وقلـم واحـد وقلــب شـجاع وعقـل راجح .. رحـل النسـر الشـجـاع قـولا وفعـلا .. رحـل الانسـان المتسـامـح والضاحـك دومـاً .. رحـل المثـقف المتواضـع الـذى يقـدم الآخـر على نفسـه. اليـوم رحـل عنـا وعـن هـذه الفانيـة الشـيخ الصـادق الـذى ورث أفضـل صفـات أهلـه وأصـدقاءه. رحـل الشـيخ القـوي الـذى تعـرض للكثيـر مـن الضغـوط النفسـيـة والعاطفيـة والاحسـاس بمـرارة الانكسـارات المـريـرة التى أعقـبت انتصـاراتنـا التاريخية. اليـوم رحـل عـن دنيانـا الخـربة الشـيخ الضاحـك دومـا، رحـل تاركـا ذكـراه الطـيبة المقـرونـة بالصـدق والشـجاعـة وحسـن المعشـر. رحـل عنـا بشـوقـه الكبيـر للأهـل والأصحـاب والـديـار، رحـل ظمآنا للأرض والانسـان .. رحـل بجـراحاتـه المؤلمـة التى تـركهـا الانكسـار.. رحـل دون ان يشـكـو منهـا أو يتـأوه.. رحـل دون ان يفقـد صبـره الجميـل وروحـه المـرحـة المتفائلة دومـا.. رحـل عنـا متعجـلا لأن رحمـة الله هـى الأوسـع والأعـم.

 رحـم الله حبيبنـا " أبـو هاشـم" الـذى صـادق فصـدق وناضـل فأخلص، ذلك لأنه كان يحمـل قلبـا رحيمـا وصـدرا فسـيـحـا أتسـع لأحبابه الكثـر، هـذا الـى جانب تميـزه بسـريـرة نقـية لا تعـرف اٍلآ جميـل الكـلام وطـيب الأفعـال، وحسـن معشـر سـيصبح مـن بعـد رحيله يتيمـا وحيدا فـى هجيـر صحـراء لا نهـاية لهـا.

وفى نهايات هـذه المسـاحة المليئة بالأشـجان والأحـزان ومـزيـج مـن الذكريات، لا أمـلك اٍلا الترحم علـى روح ,, الـراحل/ أبا هاشـم، كما أرفـع كلمات التعازى اليتيمة الباكية، لكل ذويه وأهله وأقاربه وأصـدقاءه أينما وجـدوا.

أللهـم أرحم عبـدك وابـن أمتـك/ أبـو هاشـم، اللهـم تقبلـه بواسـع رحمتـك واسـكنـه عالـى الجنـان مـع النبـيين والصـديقـين والشـهـداء الأبـرار وحسـن أولئـك رفيقـا، وألهمنـا وآلـه وذويـه ومعارفـه واصـلاء الاسـرة الارتـريـة والسـودانية الصبـر وحسـن العـزاء. ألآ رحـم الله الفقيـد بقـدر ماقـدم لأهـله وأوطـانه، وبقـدر ما ناضـل وأخلـص، وبقـدر مـا صـادق وصـدق، وبقـدر مـا ضحـك وأضحـك. وبعـد الصـلاة والتسـليـم على النبـى الكـريـم صلـى الله عليـه وسـلـم، أتـرحـم عليـه قائـلا .. انـا لله وانـا اليـه راجعـون، ولا حـول ولا قـوة اٍلآ بالله الحـي الـدائم .  

 

أبـو اٍيهــاب ـ المملكة المتحـدة 

20/11/2013م