القائد الشهيد جعفر علي أسد مسيرة نضال وحكاية إنسان بقلم المهندس / سليمان فايد دارشح
نشر من قبل omaal في 09:18 صباحا - 29 01 1435 هـ (02 12 2013 م)

القائد الشهيد جعفر علي أسد

مسيرة نضال وحكاية إنسان

 


تفاصيل الخبر

بسم الله الرحمن الرحيم

القائد الشهيد جعفر علي أسد

مسيرة نضال وحكاية إنسان

بقلم المهندس / سليمان فايد دارشح

الشعوب المتحضرة ترتبط دائماً روحياً بروادها ، وهم كالمشاعل المضيئة ينشدون الغد المشرق لبناء مجتمعهم السعيد تمتزج فيه الجراح والآلام لولادة الانسان الجديد الذي تشع منه روح الحياة والوفاء لمجتمعه ووطنه.

وحينما تنطفئ إحدى هذه المشاعل المضيئة يدب تيار الظلام في المجتمع، وفي هذا الوقت يكون رد فعل أفراد المجتمع هو الالتفاف حول مبادئهم الانسانية والمحافظة عليها لتظل حية ماثلة في نفوس وعقول الأجيال المتعاقبة.

ومن هؤلاء الرواد والشموع التي أضاءت الطريق ، القائد الشهيد جعفر علي أسد.

لا أعلم حقيقة من أين أبدأ وكيف سأنتهي حتى أتحدث عن شخصية فريدة كشخصية هذا القائد الوطني العظيم. كان الرجل من أعظم الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، كان وطنياً خالصاً غيوراً من أبناء هذا الوطن الذي جالوا وصالوا في ساحاته، وقدموا وبذلوا دون ضن أو منّ.

كان الشهيد القائد جعفر علي أسد مرتبطاً بأرضه وشعبه ارتباطاً وثيقاً لا ينفك عراه، كان أحد صانعي شمس الحرية، وعلم من أبرز أعلام ارتريا ورجل من أعظم رجالات هذا الوطن.

كان له دور كبير في قيام الثورة المسلحة في ارتريا وتثبيت أركانها في تلك الظروف الصعبة.

الشهيد جعفر أسد اسم سيقف التاريخ أمامه طويلاً متأملاً، رجل زهد في الدنيا وفي الحياة بكل مغرياتها كان طول عمره نافذ البصر والبصيرة، تقياً ورعاً قلبه متعلق بالمساجد وتلاوة القرآن الكريم،  قوياً عند الأزمات والملمات ساخراً من كل ما من شأنه أن يكون معطلاً لقضايا شعبه ومستقبله. وإن كان للأساطير مكان في عصرنا هذا فجعفر أسد وبما قدم لشعبه من تضحيات ورؤاه المتفتحة الثاقبة وبإنسانيته وبنبله وبحزمه وبصموده وشجاعته وكبريائه وعلو شأنه بكل تأكيد يستحق أن يكون هذا الرجل العظيم إنموذجاً لأساطير زمانه.

الشهيد جعفر أسد عرف بالعلم والثقافة والواسعة والهدوء والحكمة وسداد الرأي وطول البال والتأني ونقاء السريرة. فريد في عطائه كسب بأدبه الجم العقول والقلوب شخصية كان لها التأثير على الجميع بحضوره الفاعل وحرصه على حل اشكاليات اجتماعية واختلافات سياسية، طيب القلب واسع الكرم ذو فكر عالٍ وتطلع جبار، محبوب لدى الجميع، لا يخشى في التعبير عن قناعته وآرائه وفكره لومة لائم.

وتبدأ مسيرة نضال وحكاية انسان من مدينة كرن، مدينة الشموخ والتحدي التي انتقل اليها من مدينة أم حجر للدراسة، شارك في فترة مبكرة من حياته في الاضرابات العامة التي كان يقوم بها الطلاب في مدينة كرن لمواجهة المخطط التأمري الذي كان يستهدف الوطن والهوية الوطنية.

وعندما تعرض الكثير من الطلاب للاعتقالات والفصل من الدراسة نتيجة لمواقفهم الوطنية الشجاعة اضطر الطالب جعفر علي أسد كغيره من الطلاب الارتريين الى الهجرة خارج حدود الوطن، فكانت الهجرة الى السودان ذلك البلد الذي ظل في كل مراحل النضال الارتري عمقاً استراتيجياً وحضارياً وثقافياً، وصل الشهيد القائد جعفر علي أسد الى مدينة الخرطوم عام 1956م وعمل مع رفاقه المناضلين عبد الله بليناي ومحمد ادريس كلباي وحامد عثمان ابراهيم طنبار واسماعيل نادا والأمين علي أسد وعمل على تكوين لجنة للعمل الوطني في الخرطوم كانت من مهامها الاتصال بالمجموعة الارترية العاملة في الجيش السوداني ومجموعات الداخل للبحث عن وسيلة لمقاومة المخططات الاستعمارية الهادفة الى محو الكيان الارتري.

وبعد أن تمكنت سلطات الاحتلال الاثيوبي تحت ظروف الارهاب من إقصاء رئيس البرلمان ادريس محمد آدم وقامت بإتخاذ سلسلة من الاجراءات للضم النهائي وابتلاع ارتريا، بعد هذه المؤامرة توجه الزعيم ادريس محمد ادم الى مدينة أغردات مسقط رأسه وكان في استقباله كل سكان المدينة وعلى رأسهم القائد حامد ادريس عواتي، ومنها توجه ومعه الزعيم الوطني الكبير ابراهيم سلطان إلى السودان واستقبلتهم المجموعة الارترية العاملة في الجيش السوداني في مدينة كسلا وقامت اللجنة بترحيلهم الى مدينة الخرطوم، وعند وصولهم الى الخرطوم قامت مجموعة الشهيد القائد جعفر أسد بتسفيرهم الى القاهرة جواً يوم 7/3/1959م وعند وصولهم الى مصر أكرمت ثورة 23 يوليو المجيدة بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر إفادتهما كلاجئين سياسيين وسمحت لهم بممارسة نشاطاتهم السياسية بحرية تامة فزاد ذلك النشاط السياسي  وأخذ بعداً جديداً.

وبعد وصول الزعيمين ادريس وسلطان الى القاهرة كُلف القائد الشهيد جعفر أسد ليكون حلقة وصل وربط بين المجموعات في كسلا والداخل والخارج، فكانت تصل المراسلات الموجهة للمجموعات في السودان وارتريا من الزعيمين بعنوان مكتب (سودان بوكشوب) الذي كان يعمل فيه القائد الشهيد جعفر علي أسد. وفي نهاية عام 1959م سافر القائد الشهيد جعفر علي اسد الى القاهرة لمواصلة دراسته، وانضم هنالك الى نادي الطلبة الارتريين بالقاهرة الذي تأسس يوم 7/10/1957م فكان الشهيد من أبرز وأنشط الطلاب. وعندما بدأ الطلبة الارتريون في الستينيات يتوافدون بكثرة الى الأقطار العربية والأوربية بحثاً عن العلم والمعرفة التي حرموا منها في بلادهم، قام هؤلاء الطلاب بإنشاء روابط كثيرة في عدد من تلك البلدان الأمر الذي استدعى ضرورة توحيد تلك الروابط في إطار اتحاد نقابي واحد ينظم نضال الطالب الارتري ويساهم بشكل منظم في دفع مسيرة الثورة لهذا أُعتبر تأسيس الاتحاد العام لطلبة ارتريا آنذاك ضرورة فرضتها تلك المرحلة التاريخية، فكان القائد الشهيد جعفر أسد أحد أبرز هؤلاء الطلاب الذين ساهموا مساهمة جادة وفعالة في عقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد عام 1968م بدمشق وهنا نذكر أسماء بعض الطلاب الذين شاركوا في هذا المؤتمر التاريخي :

1.   المناضل سراج موسى عبده         (القاهرة)

2.   المناضل محمد عثمان ابوبكر       (القاهرة)

3.   المناضل ابراهيم قدم                (القاهرة)

4.   المناضل جعفر على أسد           (العراق)

5.   المناضل محمد ابراهيم ادريس       (سوريا)

6.   المناضل ابراهيم منتاي              (سوريا)

7.   المناضل دكتور هبتي               (بولندا)

8.   المناضل بدير                      (بولندا)

9.   المناضل حمداني                   (ألمانيا الغربية)

وبعد أن أكمل الشهيد الدراسة الجامعية في بغداد التحق بجيش التحرير الارتري وتم تعيينه مشرفاً سياسياً في الوحدة الإدارية الثالثة ثم انتقل الى مكتب الدراسات والبحوث والتوجيه المعنوي في المكتب العسكري، فقام بإعداد عدة بحوث ودراسات منها بحث توثيقي يتناول سيرة البطل الشهيد حامد ادريس عواتي تم نشره في حلقات في مجلة سبتمبر، وقام الاتحاد العام لطلبة ارتريا بطبعه في كتيب عام 1980م.

وكما قام مع رفيق دربه الشهيد المهندس سراج موسى عبده بإصدار مجلة سبتمبر وأسهموا من خلال هذه المجلة في تعميق حب الوطن والدفاع عن مكتسبات الثورة والتعريف بحقوق الانسان ونشر الوعي القانوني والانضباط العسكري.

تقلد الشهيد جعفر أسد عدة مناصب ادارية وتشريعية وتنفيذية في جبهة التحرير الارترية وكان عضوا بالمجلس الوطني الارتري لتغيير الديمقراطي، فهو أيضاً قلم متألق مشرق العبارة سلسل الاسلوب حر الرأي كتب العديد من البحوث والدراسات والمقالات عن الثورة الارترية وهموم وتطلعات الشعب الارتري والصراع العربي الاسرائيلي والوحدة العربية وغيرها من الدراسات والبحوث الأخرى.

القائد الشهيد جعفر أسد كان محبوباً من جميع القوى السياسية والمكونات الاجتماعية في البلاد وذلك لاعتداله الفكري ووسطية منهجه واتساع أفقه وثقافته كل هذه الصفات مكنته من كسب الآخرين ونيل ثقتهم واحترامهم ويشهد كل من عمل معه أو اقترب منه بأنه يجمع القلوب ويوحد الصفوف والكلمة ويبغض التعصب ويرفض الجمود والانغلاق ويعمل رسولاً للوفاق والاتفاق الوطني لا يفتر وأخاً وصديقاً لكل أهل ارتريا عُرف شجاعاً مقداماً لا يشق له غبار، وهو من أولئك الرجال الذين صقلتهم التجارب وأدركوا معنى الوقوف أمام التحديات وهي محك فعلي لاكتشاف معدن الرجال، وهو من الرجال المنتمين لوطنهم والحادبين على وحدته وعزته وازدهاره. كان القائد الشهيد جعفر أسد قومياً عربياً واضحاً آمن بضرورة تلازم البعد الوطني والقومي، وطنياً انصب همه الاساسي على مناهضة الاستبداد والديكتاتورية وبناء وطن الحق والعدل والقانون والمساواة، وطن لجميع ساكنيه بمختلف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والمدنية، وطن لمواطنين أحرار ، عُرف عنه بشهادة الكثير من الناس أنه كان انسانياً بمعنى الكلمة لا يترك فرصة للمجاملة والعطف والمواساة إلا انتهزها، يودع المسافر ويستقبل الآيب ومعين على نوائب الزمان بإمكانياته المحدودة وسخر نفسه لخدمة غيره، هو صاحب مروءة شهم مقدام منطقه الرصين وعباراته المختارة يبعثان البهجة في كل مجتمع وحماسته وجرأته يبعثان الحرارة في كل اجتماع، كان عظيماً وسيبقى عظيماً في ذاكرة رفاقه وأصدقائه وأهله وشعبه.

الرجل واصل بهمة عالية وحماس مسيرته النضالية التي امتدت الى أكثر من الخمس عقود، لم يحد أبداً عن الالتزام جانب الشعب، كان عطاؤه ممتدا الى كافة المستويات فكرياً وسياسياً وتنظيمياً وعسكرياً وجماهيرياً وإذا كان كل من يواصل النضال بتجرد ونكران ذات وثبات لعدة سنوات يُوصف بالصابر والمثابر والثابت على المبدأ، فما بالك بمن يناضل على مدى أكثر من خمس عقود في كل الجهات والميادين حتى آخر يوم من حياته دون أن تلين له قناة!.

القائد الشهيد جعفر أسد كان صاحب حضور طاغي في كل الأماكن والأزمنة هو الإنسان والقيمة والنضال لم يتوارى يوماً خلف الصفوف، بل كان دائماً في مقدمة الصفوف، وكيف لا وهو سليل أسرة أسد العريقة التي تسكنها الوطنية والإيثار والشهامة وترتدي الكرم الارتري الأصيل.

ولد القائد الشهيد جعفر علي أسد في مدينة أم حجر – جنوب مدينة تسني – في بيت تملأه العزة والكرامة والجود والشهامة ، تلقى تعليمه الأولي في مدينة كرن ثم انتقل الى السودان ومنها الى مصر حيث أكمل دراسته الثانوية بنجاح، وواصل تعليمه العالي وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة بغداد ، وتوج جهوده العلمية بحصوله على درجة الماجستير من المعهد العالي للدارسات القومية والاستراتيجية - جامعة بغداد – وقدم لنيل درجة الدكتوراه بجامعة بغداد ولظروف الحرب في العراق لم يكمل رسالة الدكتوراه.

سيرة القائد الشهيد جعفر علي أسد الراسخة في أذهان ووجدان شعبه أنصع وأجمل وأبقى من أي مداد يحاول الكتابة في هذا الحقل ، وإنني في هذه العجالة وبهذه الكلمات المتواضعة لم أوف الرجل حقه كأن بحور اللغة والكلمات أمام قدره الكبير قد جفت ، فهو أكبر من الكلمات والمفردات جمع الرجل الرجولة من أطرافها وأقلامنا صغُرت أمام قيمه ومبادئه وفكره، فهو من القلائل الذين لا تنتهي سيرتهم باستشهادهم وإليه تنتسب الرجولة والشهامة.

وهذا الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول :

قد مات قوماً وما ماتت فضائلهم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات

ومثل هؤلاء الرجال يزداد الناس فخراً وعلواً حينما يذكرون أسمائهم وعرينهم لا زال شاهداً على شجاعتهم، وقلعة العز والكرامة والصمود التي شيدوها ستظل – إن شاء الله – شامخة تشير الى عطائهم اللامحدود.

وأقول للشهيد القائد (أبو صادق) سلاماً لك في علياك وإن الراية التي رفعت لوائها مع رفاقك المناضلين الشرفاء ستظل خفاقة ترفرف في سموات ارتريا ترشد الأجيال جيلاً بعد جيل وتلهم شباب وشابات ارتريا الى طريق النضال السوي حتى تتحقق دولة الديمقراطية والمدنية والدستور الديمقراطي الذي يتوافق عليه كل أهل ارتريا .

ومن هنا نرسل تعازينا الكثيرة الى رفاق دربه في النضال وإلى أبنائه وزوجته وأخوانه أقربائه وأصدقائه ، وأقول لكم (لله ما أخذ ولله أعطى فكل شيء بمقدار فأصبروا واحتسبوا) وأتوجه الى ربي سبحانه وتعالى قائلاً : (اللهم أرحم جعفر بن علي وأدخله جنتك وأجعله مع الرحماء في الفردوس الأعلى ، في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للرحماء. اللهم الهمنا الصبر، اللهم أجعلنا في زمرة الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا : "إنا لله وإنا إليه راجعون").