شرر في الظلام ..قصة تقرير بعيد عن الأعين :إدماج اللاجئين الأريترين .. بين رفض الحكومة وضغط العالم
نشر من قبل omaal في 02:37 مساء - 17 02 1433 هـ (11 01 2012 م)

Al Ahdath.jpg

شرر في الظلام ..قصة تقرير بعيد عن الأعين :إدماج اللاجئين الأريترين .. بين رفض الحكومة وضغط العالم

 


تفاصيل الخبر

Al Ahdath.jpg

شرر في الظلام ..قصة تقرير بعيد عن الأعين :إدماج اللاجئين الأريترين .. بين رفض الحكومة وضغط العالم

التاريخ 10 - يناير 2010 م العدد 1518

الخرطوم: مزدلفة محمد عثمان
في 20 اكتوبر الماضي غضبت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من الحكومة السودانية لإبعادها قسرا حوالي 300 لاجئ أريتري بعد اعتقالهم لعدة أسابيع في مدينة دنقلا متسللين إلى السودان بنحو غير شرعي وقال أدريان إدواردز، المتحدث باسم المفوضية، إنه على الرغم من التطمينات من السلطات، فإن حقوق اللاجئين لا تحترم، منتقدا عملية الترحيل التي وقعت على الرغم من وجود اتفاق بين المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومفوض السودان للاجئين بأن ينقل الأريتريين إلى الخرطوم لفحص حالتهم بشكل مشترك لتحديد الأشخاص الذين يتمتعون بوضع لاجئ في المجموعة وإعطاء الآخرين فرصة لتقديم طلبات اللجوء”، واتهمت المفوضية، السودان بأرغام طالبي اللجوء واللاجئين الأريتريين مرارا على العودة إلى بلادهم حيث يواجهون خطر الاضطهاد. وأضافت أن ترحيل اللاجئين يرقى إلى مستوى الإعادة القسرية وينتهك اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين وقانون اللجوء السوداني لعام 1974
لكن ما لم تقله مفوضية اللاجئين وقتها إن السودان يأوي منذ أربعة عقود قرابة السبعين ألف لاجئ أريتري موزعين على شرق السودان خاصة ولاية كسلا بينما تستقبل القضارف العشرات من نظرائهم الأثيوبيين في موسم هجرة لا يكاد ينقطع على مدار العام ، يفلت بعضهم من قبضة السلطات ويقع آخرون فيعادون من حيث أتوا بتهمة خرق القانون والدخول غير الشرعي بينما يتوزع الناجون بين الخرطوم والقضارف وكسلا بحثا عن فرص عمل وكسب عيش أفضل من حال بلادهم ، التي لفظتهم لأسباب مختلفة .
والوضع الذي يعيشه اللاجئين في شرق السودان أو في أي مكان آخر وفقا للأعراف الدولية هو مسؤولية المجتمع الدولي كما تتحمل الدولة المضيفة الهم الموازي في توفير الحماية والرعاية.
لكن ومنذ عدة سنوات شرعت مفوضية اللاجئين في مساع لإدماج الآلاف من اللاجئين الأريتريين في المجتمع السوداني بالشرق تحت ستار تنفيذ مشروعات في ظاهرها الإعانة والمساعدة بينما تتجاوز محصلتها النهائية تلك النوايا إلى ادماج كامل للأريتريين ومحاولة تجنيسهم ولقيت تلك المساع قبولا من الحكومات المحلية بولايتي كسلا والقضارف بينما قابلتها حكومة المركز برفض مشدد من رئيس الجمهورية عمر البشير حسبما صرح المفوض في زيارته السابقة للسودان ، وما بين التارجح في الرفض والقبول بدأت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في العام 2009 في إدارة مشروعات صغيرة للاعتماد على الذات لاعانة الاريتريين مدتها عامين، وترتب حاليا لمبادرة يشارك فيها البنك الدولي و وزارة التعاون الدولي والمفوضية السامية للاجئين التي دفعت بالمشروع إلى معتمدية اللاجئين وينتظر أن يدشنه المفوض السامي أنطونيو غوتيريس في زيارته المرتقبة إلى كسلا غضون اليومين القادمين وسط تحفظات قوية تبديها الجهات ذات الصلة.. أساسها أن البرنامج لم يلق الموافقة النهائية من السلطات الحكومية خاصة وأنه يتحدث عن تحويل 12 معسكر للأريتريين إلى قرى سودانية بحلول العام 2014 ، بأن يلتحم المخيم مع القرية القريبة.
وتقول مصادر مأذونة لـ «الأحداث» هناك ثلاث مناطق مستهدفة بالإدماج في المرحلة الأولى التي تبدأ من 2012 حتى 2014 وتشمل سبعة معسكرات في ولاية كسلا وخمسة في القضارف وهي: الكيلو (26) المعسكر، يدمج في الكيلو (26) القرية ، و قرية أم الخير مع معسكر «القربة» ، يضاف إليهم قرى «عندلة» «والشرفة» و»أم قميص» وجميعها في ولاية كسلا بجانب معسكر «ودشريفي» و»تقلي» علاوة على «أم قرقرو» و»المقطع» و»ود الزين» و»كركورة» التابع لولاية القضارف ، وتشمل المرحلة الثانية من 2014 – 2016 معسكرات الشجراب الثلاثة بالقربة بعد تقييم المرحلة الأولى.
وتقابل مساعي الإدماج الخفية والمثيرة لقلق البعض ، محاولات أخرى تتبناها مفوضية شؤون اللاجئين الدولية لتسليم مدارس اللاجئين في مرحلة الأساس لوزارة التربية في ولاية كسلا على أن تمولها المفوضية ويسهل بالتالي انتساب الطلاب الأريتريين للمراحل التعليمية اللاحقة، وبحسب مصادر ذات صلة فإن الأمر معروض على مجلس وزراء حكومة ولاية كسلا لمناقشة القضية ، ويستبعد خبير مختص في الشؤون الإنسانية موافقة المجلس الولائي على الخطوة ويؤكد لـ «الأحداث» أن التعليم الأساسي مسؤولية المجتمع الدولي خاصة في ظل احتمالات انقطاعه لاحقا بما يلقي مسؤولية إضافية على الحكومة السودانية.
وتكشف معلومات حصلت عليها «الأحداث» عن تخصيص مفوضية اللاجئين الاممية ميزانية تصل إلى 72 مليون دولار للمرحلة الأولى من مشروع الإدماج الذي سيدار تحت مظلة تحسين الأوضاع المعيشية وتوطيد صلات اللاجئين بالمجتمعات المحيطة. ووفقا للإحصائيات الرسمية فإن مخيمات اللجوء في منطقة كسلا تضم قرابة السبعين ألف لاجئ أريتري يقيمون منذ أربعة عقود تقريبا، اكتسبوا خلالها عادات وتقاليد السودانيين وهو ما يشجع مفوضية للأمم المتحدة لتبني إدماجهم في المجتمع السوداني ما يمهد لمنحهم تدريجيا «الجنسية السودانية»!!. غير أن إعلانها تلك النوايا من شأنه تفجير غضب الحكومة الأريترية وإثارة أزمة قوية مع السودان الذي تقول مصادر مطلعة إن حكومته أيضا لا ترغب في الإقدام على الخطوة سيما وأنها تحفظت بشدة في ميثاق اللاجئين على البند الخاص بحرية التحرك ، بينما تواجه مفوضية اللاجئين عقبة أخرى أمام الإدماج وهي تحريم القانون السوداني امتلاك اللاجئين للأراضي والتملك.
وفي نوفمبر من العام الماضي أعدت إدارة التقييم ووضع السياسات بالمفوضية تقريرا بعنوان (لا رجعة إلى الوراء) – NO TURNING BACK- حول وضع اللاجئين الأريتريين في شرق السودان أشارت فيه إلى حزمة من العوامل التي ساهمت في استمرار وضع اللاجئين بالشرق على ما هو عليه الآن دون تغيير، وقال التقرير إن أكثر الأسباب وضوحا في السنوات الأخيرة هو عدم مواءمة الأوضاع للعودة الطوعية نتيجة لوضع حقوق الإنسان في أريتريا وعلاقتها المتصادمة مع أثيوبيا والدول الأخرى بالمنطقة . واتهم التقرير الحكومة السودانية بالإسهام في استدامة مشكلة اللاجئين بعدم رغبتها في قبول عرض الدمج المحلي والمواطنة للاجئين الأرتريين على الرغم من حقيقة ارتباطهم الوثيق بالبلد المضيف .
ونبه التقرير إلى أن معتمدية شؤون اللاجئين التابعة لوزراه الداخلية السودانية نشطت في البحث عن حلول ولعبت دورا رئيسا فيما يتعلق ببرامج اللاجئين التي تم تمويلها بالكامل عن طريق المفوضية السامية عبر تاريخها الطويل . وبحكم الواقع فقد شاركت في التوقيع على الاتفاقيات الفرعية للمفوضية السامية . لكنها لم تلعب أي دور على نطاق واسع في حالات الطوارئ والأزمات للنازحين في كل من دارفور وجنوب السودان بالرغم من وجود مقرها بالخرطوم فيما مكاتبها و غالب الموظفين بشرق السودان ووفقا لكثير من المعلقين فإن المفوضية السودانية للاجئين ساهمت باستدامة مشكلة اللاجئين الأرتريين بدلا عن حلها. وفي المقابل يتحدث التقرير عن أدلة تؤشر للعب مفوضية الأمم المتحدة السامية دورا مهما في استدامة حالة اللاجئين الأرتريين بشرق السودان ووفقا لأحد التقارير الناقدة والتي لم تنشر بأمر المفوضية نفسها فإن العوامل الداخلية أثرت بشكل واضح على أوضاع اللاجئين بشرق السودان بالإضافة للأزمات المتكررة للمفوضية وعدم وجود رؤية طويلة المدى تفاقمت لانعدام المؤسسية.
و يلفت التقرير نفسه الانتباه لحقيقة العلاقة بين مفوضية اللاجئين السودانية ونظيرتها التابعة للأمم المتحدة التي غالبا ما تواجه إشكاليات بسبب الصراعات الداخلية ودينماكية الأشخاص والخلافات الإدارية حول الميزانية ، وبسبب تكرار الصعوبات على مدى السنوات الأخيرة سعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لتوطيد علاقات العمل مع السلطات على مستوى الولاية في شرق السودان وخاصة المحافظين في القضارف وكسلا حيث تقع معظم مخيمات اللاجئين.
وفي ما يخص التوصيات يشير التقرير الى إن الأرتريين بشرق السودان اندمجوا اجتماعيا واقتصاديا مع السكان المحليين وتمتعوا بميزات أكبر في بعض النواحي من السكان لكنهم تأثروا في نفس الوقت بقيود على حرية الحركة وملكية الأراضي والممتلكات وفرص العمل والحصول على القروض للائتمان، وينصح معدو التقرير مفوضية اللاجئين السودانية برفع تلك القيود وخصوصا الذين مكثوا في السودان لفترة طويلة بما يمكنهم من الحصول على حق المواطنة والتجنس ويضيف «ويجب دعم هذه الجهود من خلال توفير بيئة اقتصادية تعليمية لتعود الفوائد على اللاجئين» ويشير إلى أن عدم معرفة إحصائية اللاجئين الأرتريين منذ فترة طويلة بالوثائق السودانية يحتم على المفوضية الأممية محاولة التعامل مباشرة مع السجل المدني السوداني لمعرفة أعدادهم وإيجاد حل دائم وينبغي أيضا بذل الجهود من أجل تسهيل التجنس من خلال دفع رسوم المواطنة والاستفادة من خبرة المفوضية السامية فيما يتعلق بتجربة تنزانيا وبورندي حين منحت الأولى حوالي 160 ألف بورندي الجنسية ودفعت رسومها المفوضية السامية.
وتشكك التوصيات في احتمالات إعادة توطين اللاجئين الأرتريين في شرق السودان وإمكانية أن تلعب دورا استرتيجيا في معالجة القضية مهما كان عامل الإندماج المحلي محفزا في حين أن هناك اهتماما متزايدا في إعادة التوطين خصوصا في أواسط الجيل الجديد بالرغم من أن العديد من اللاجئين لن يقبلوا بالحل وبالتالي ينبغي أن تستهدف إعادة التوطين ما بين 500-700 فردا على مدى ثلاث السنوات المقبلة وأن تستهدف الأقليات العرقية.
و يوصي التقرير المفوضية بالاستفادة من الميزانية الربع سنوية واستيعاب الأموال المقدمة من الجهات المانحة وتخصيصها للقيام بأنشطة ذات طابع ينتقل من الإغاثة إلى التنمية، وفي هذه المرحلة ينبغي إعطاء الأولوية لتوسيع وتجهيز المدارس الثانوية ودعم المدخلات الزراعية بالإضافة لتقديم المزيد من القروض الكبيرة للاجئين وأن يستمر البرنامج بنجاح بالنظر إلى نتائجه الإيجابية المتعددة.
ويسرد الصعوبات أمام إعادة التوطين وسط اللاجئين الأريتريين ويؤكد أن الرغبة وسط الذين ظلوا لفترة طويلة بالسودان كانت محدودة للغاية لكن في الآونة الأخيرة ازدادت الرغبة في إعادة التوطين بين السكان الأرتريين كبار السن الذين تأثروا بسلوك القادمين الجدد وإغرائهم بأمكانية الحصول على فرص التعليم العالي والثانوي الذي هو أمر صعب للغاية بالسودان والمخاوف بشأن ثقافة إعادة التوطين تبدو متناقضة كما تجسدت في تصريحات أحد اللاجئين الذي قال: (هنالك مساجد حتى في الولايات المتحدة) وينبه التقرير إلى حالة انقسام وسط عائلات اللاجئين بين جيل يأمل بإعادة التوطين وآخر يفضل البقاء في السودان.
والملاحظ أن التقرير تطرق أيضا إلى ما قال إنها حالات إبعاد مثيرة للقلق في ولاية كسلا بالاستناد إلى قانون الهجرة والجوازات السوداني واستدل بما يحصل في معسكر «الشجراب» من حالات ابتزاز للاجئين، ويرى في خلاصته أن الحل الأفضل لمعالجة مشكلة اللاجئين الأريتريين في شرق لسودان هو تعديل قانون اللجوء السوداني للعام 1974 لإتاحة مزيد من الحقوق الخاصة بالتنقل والتملك واكتساب الجنسية السودانية.
وينبه التقرير إلى أن منح الجنسية السودانية يعتبر قرار سيادي في المقام الأول ، ويؤكد أن قيادة الدولة غير متحمسة للمضي في اتجاه تجنيس الأريتريين بالشرق تحسبا لردة فعل أريتريا التي قال إنها دولة صغيرة لكنها «متحفزة» ، واقترح أن يقتصر منح الجنسية في الوقت الحالي على الذين قضوا 20 عاما في السودان.
ويرى خبير مختص في شؤون اللاجئين أن مشروع دمج الأريتريين في مجتمع الشرق يمضي بخطى حثيثة دون موافقة الحكومة تحت ذرائع توفير التنمية، ويؤكد أن بعض ولاة الشرق بعيدون عما يجري في مناطقهم خاصة فيما يلي طبيعة المشروعات المعتزم تدشينها في زيارة المفوض السامي للاجئين!. ويقول مدير إسكان اللاجئين في ولاية كسلا حمد الجزولي لـ «الأحداث» أمس أثناء زيارته لمخيم «الشجراب» للاجئين الأريترين إن المفوض السامي عازم على افتتاح (برنامج للحلول الاننتقالية للاجئين والمجتمعات في شرق السودان) وهو ما يعرف اختصارا بـ (TSI) ويفترض تنفيذه على مرحلتين .
وبحسب الإحصائيات الرسمية فإن تدفقات اللاجئين الأريتريين إلى السودان يوميا تتراوح ما بين 50- 80 شخص ، فيما استقبل معسكر «الشجراب» خلال الفترة من العام 2008 حتى 2011 حوالي 120 ألف ، لاجئ أو طالب لجوء ، ويمكث في ذات المخيم الآن حوالي 9 آلاف ، بينما تسرب 111 ألف منهم هربا إلى إسرائيل ومصر والخرطوم. مما فتح بابا واسعا أمام تجار البشر وعصابات الأعضاء البشرية .