إستفتاء السودان بداية السلام ام نهاية الهدنة؟
نشر من قبل omaal في 11-12-2010

إستفتاء السودان بداية السلام ام نهاية الهدنة؟

بقلم: أحمد نقاش

إن الوضع السياسيى  فى القرن الافريقى عامة والسودان خاصة مقبل على عهد جديد وفق المعطيات التى تلوح فى سماء المشهد السياسيى فى المنطقة،ولا يستبعد إن الطبيعة البركانية لجغرافية القرن الافريقى أن تنعكس هذه المرة  الى أوضاعه السياسية.

فى التاسع من يناير عام 2005وقعت حكومة السودان والحركة الشعبية اتفاقية السلام فى نيروبي  تتكون من 300 صفحة وسبع بروتوكولات توصل اليه الطرفين فى خلال العامين من المفاوضات،والجدير بالذكر ان  موقف حكومة السودان كان  اقوى من الحركة الشعبية من الناحية العسكرية فى تلك  الايام،إلا ان نصوص  الاتفاقية توحى عكس ذلك، فقد تحصلت الحركة الشعبية على  مكاسب كبيرة تجاوزت كل التوقعات،وبتالى إن دولة جنوب السودان ولدت بكامل ملامحها منذ  اليوم الاول الذى وقعت فيه على الاتفاقية فى نيفاشة  وعملية الإستفتاء ما هى الا تحصيل حاصل من الناحية العملية.

ليس عيبا للمنهزم ان يبحث عن النصر بواسائل اخرى اذا عجز العسكر عن تحقيق النصر،لكن ما هى الاسباب الحقيقية التى دفعت حكومة الخرطوم الوصول الى نهاية الطريق منذ اليوم الاول الذى وقعت فيه على الاتفاقية فى نيروبى؟وأعطت كل شيئ دون ان تأخذ أى شيئ.

صحيح إن الموقف الميدانى لحكومة السودان كان جيدا واقوى من الحركة الشعبية قبل واثناء التوقيع على الاتفاقية على  الاقل فى ميدان المعركة اى فى جنوب السودان،الا ان الحركة الشعبية دخلت الى المفاوضات بقوة سياسية  اكبر من القوة فى ساحة المعركة عكس حكومة الخرطوم التى دخلت  وحدها الى المفاوضات من الناحية السياسية.

من الممكن ان نجمل اسباب ضعف  حكومة السودان فى النقاط التالية :

1-       اختلاف الحزب الحاكم فى الخرطوم وإنقسامه عموديا { جناح البشير وأخر جناح  الترابى}

2-       فتور العلاقة ما بين  حكومة الخرطوم وكثير من الأنظمة  العربية خاصة جمهورية مصر العربية آن ذاك

3-       الضغوطات الكبيرة التى مارستها منظومة الدول الغربية  على رأسها الولايات المتحدة الامركية على الخرطوم

4-       ذهاب القصر الجمهورى للمفاوضات وحده دون القوة السودانية الاخرى المتمثلة فى الاحزاب السياسية .

5-       الاعتماد على رجل إعتبر وحدوى وهو الزعيم الراحل {الدكتور جون قرن }وقد يكون الرجل كذلك لكنى كيف  يمكن ان نبنى مصالح  الامة ومستقبلها على رجل واحد،وإن كان كذلك لماذا لم يتم حماية الرجل من كل سوء وإن كان الحذر لا ينجى من القدر الا ان المسؤولية السياسية كانت تستوجب كل ذلك.

6-       بما أن صراع القرن الإفريقي كل لا يتجزء من الناحية العملية كان من أحد أسباب ضعف حكومة الشمال فى المفاوضات هو ضعف حلفاءها الحقيقين فى المنطقة على سبيل المثال لا الحصر ضعف المعارضة الأرترية {مسلمى أرتريا } نتيجة لتراكمات الاخطاء الاستيراتيجية التى مارسته الحكومات المتعاقبة فى الخرطوم على الشقيق الحقيقى  الا  وهو  الشعب العربى المسلم فى ارتريا،وأسباب هذه الاخطاء هى النظرة السطحية للوضع فى ارتريا التى تنطلق من ابحاث نظرية خاطئة يطلقها  باحث هنا او هناك. والجدير بالذكر  ان حدود السودان الشرقية كانت  آمنة لعقود خلت عندما  كانت الثورة الارترية الحقيقية قوية مما خفف على الحكومة المركزية فى الخرطوم عناء تمركز قوات كبيرة فى  حدودها الشرقية، وساعدهم  كل ذلك أن يتفرق السودان  لحدوده الشاسعة الاخرى، وعندما سيطر على ارتريا اشباه ارترين بدعم من حكومة الخرطوم بما فيهم الاسلامين  الذين تعاطف  معهم الشعب الارترى وشقيقه شعب شرق السودان، خاصة ايام انتخابات 1986 حتى تحقق بفضل ذلك للجبهة القومية الاسلامية السودانية كثير من المكاسب فى كثير من الدوائر الا ان كل ذلك لم يكن كافيا لساسة الشمال فى السودان لاقناعهم ان حليفهم الحقيقى الوحيد فى المنطقة  هو  الشعب الارترى المسلم، وها هم اليوم يتكالب عليهم الجيران واحد تلو الاخر. ويصدق على هذه الحالة  قول الشاعر العربى  "أى فتية أضاعت الأمة ... ليوم كريهة وسدد ثغر "

فى الجهة المقابلة إن أهم أسباب قوة الحركة الشعبية فى المفاوضات كانت :

1-       كل اسباب الضعف فى حكومة الخرطوم

2-       وحدة وتماسك الجبهة الداخلية للحركة الشعبية

3-       الخلفية السياسية للحركة الشعبية المتمثلة فى  {المنظومة الغربية }

4-       الدعم من بعض الدول الافريقية التى تدور فى الفلك الغربى خاصة أغندا ونيروبى وكذلك الإبن العاق النظام الارترى.

   فى مثل  هذا المناخ السياسي تم التوقيع على  اتفاقية السلام. وإذا اعتبرنا  كل  هذا  شيئ من الماضى وما هو مستقبل السودان والسلام ؟

هل الاستفتاء سيكون بداية لسلام حقيقى ام نهاية للهدنة ؟

من المفترض ان يكون الاستفتاء وقيام دولة جنوب السودان  بداية لسلام حقيقى فى المنطقة،الا ان المعطيات  على  الارض  تقول عكس ذلك لان الدولة الوليدة سوف تكون عاجلا ام آجلا شوكة حوت فى حلق الشمال لان المنظومة الدولية التى  دعمتها ووقفت معها لها استراتيجية فى السودان لم تصل بعد إلى نهايتها فضلا عن القضايا العالقة ما بين الجنوب  والشمال مثل منطقة {ابيي } الغنية بالنفط وكل هذه الاشياء كفيلة لكى تكن حجة لأى بداية لا يحمد عقباها، والمنظومة الدولية التى ساعدت الحركة الشعبية  وهى فى احراش الجنوب ايسر  واسهل  لها  ان  تدعمهم الآن وهم  دولة معترف بهم عالميا وبتالى  ان دولة الشمال فى الصراع القادم  قد  تجد نفسها فى وضع لا تحسد عليه وخاصة اذا  استمرت سياسة الخرطوم فى معركة  الاتجاه الواحد واهمال صراع المحيط وخاصة فى أرتريا لأن الصراع فى القرن الافريقي وشرق افريقيا  والشرق الاوسط وكذلك الصراع على مصادر المياه،  كل لا يتجزأ وعلى السودان الجديد اى ما بعد انفصال الجنوب، يجب ان  تكن له قراءات وإستراتيجيات جديدة  وما يدور  من التأمر وإضعاف  مسلمى القرن الافريقي خاصة فى الصومال وأرتريا ليس ببعيد عم يحدث فى الشرق الاوسط وما سوف يحدث فى السودان ما بعد الإنفصال وقوة السودان الحقيقية قد تكمن فى تقوية  مسلمى أرتريا والصومال وخاصة فى ظل التخاذل العربي الذى هو واضح للعيان، اما  محاولة تأمين  أمن السودان ووحدته من خلال الدبلوماسية الناعمة  التى ينتهجها  خريجى جامعة الخرطوم  فى مقابل خريجى جامعات الاحقاد والكره أمثال السيد {افورقى} وأمثاله كثر فى المنطقة  لن ولم يؤدى الى استقرار ووحدة  ما بقيت من أرض السودان.. والمعطيات  لذلك واضحة.

جوبا بدأت تستضيف حركات دارفورية، وأغندا تقف بقوة مع تقسيم السودان وأسمرا تحتل بعض اجزاء من شرق السودان  والخرطوم مازالت تتعامل مع المعارضة الارترية على أساس انها كرت ضعيف لا يجوز الاعتماد عليه.لان العقيدة السياسية فى الخرطوم يبدو ترتكز على التعامل مع واقع موجود،ولا تعرف إيجاد واقع يجب التعامل معه كما يفعل الاخرون فى السودان وخاصة حاكم أرتريا الذى اصبح خبير فى السيكولوجية السياسية لحكام السودان..هكذا يقال  على الاقل فى مكتب السيد الرئيس فى أسمرا. هكذا اصبح صعاليك البارات فى اسمرا افضل فى خلق وفهم  اوراق اللعبة وقوانينها اكثر من الساسة فى الخرطوم، لان عرب القصر الجمهورى اصبحت ثقتهم اكبر بصعاليك اسمرا منها برجال المقاومة من ابناء القحطانين والعدنانين فى ادغال ارتريا.

وإن لم تتغير السياسة السودانية فى الشمال فى نظرتها الاستراتيجة  لمسلمى أرتريا  قد يجدوا انفسهم محاصرين فى المنطقة من التحالف الاغندى والكينى والنظام الارترى وبالطبع الدولة الجديدة فى الجنوب، وقد يضطر النظام التشادى اللحاق بهذا التحالف إذا اصبح واقع لا يمكن تجاهله، وكل هذا تحت رعاية بعض المنظومة الدولية التى لها اجندة فى السودان..وكما يجب على الساسة فى الخرطوم ان يتحرروا من النظرية الخاطيئة التى يروج لها البعض قصدا او دون قصد  مفادها " أن قوة مسلمى ارتريا ووصولهم الى الحكم  سوف يؤدى لاحقا الى انفصال شرق السودان.. " وهذا لا يستقيم لسبب  بسيط لأنه لا يصب فى مصلحة كل مسلمى أرتريا  فى التوازن  الداخلى فضلا عن  انه  مرفوض من  قبل  غير   المسلمين فى ارتريا وهى اذن نظرية لا أساس لها من الصحة والواقع،  بل  من مصلحة مسلمى ارتريا  ان يبقى شرق السودان مع شماله  اذا ما تحققت العدالة  لان الايام  دول  وهذه الحقيقة يعرفها مسلمى ارتريا  من خلال تجاربهم التاريخية فى المنطقة  وبالتالى إن مصلحة مسلمى أرتريا هو فى وحدة السودان وبقاء  الشرق  مع شماله  لأنه الملجئ الاستراتيجى عند الضرورة اما  اذا بقيى حاكم  شمال  السودان يتأمر ضد مسلمى ارتريا بتحالفه مع  النظام الديكتاتورى المخاضع له وضاق عليهم الخناق قد يوحى ذلك الى  الأجيال  القادمة من مسلمى أرتريا  وابناء  عمومتهم فى شرق السودان ان يفكروا بشكل جديد على أساس  الحاجة أم  الإختراع او قد يصل  بهم  الحال الى القول " نبي  من الحلفين خير من  نبي  من  قريش " اما حقيقة نظرة مسلمى ارتريا إلى الأن هى ان قوة ووحدة السودان هى قوتهم بإعتبارها تحافظ على التوازن الإقليمى فى القرن الإفريقي، إلا أن إستمرار ساسة الخرطوم فى تجاهلهم لمعانة مسلمى أرتريا  قد يدخل شائبة فى مثل هذه المفاهيم  المتوارثة لديهم كابرا عن  كابر.وفى هذا الحال من حق مسلمى ارتريا  ان  يبحثوا عن مصالحهم الحالية  فى تحالفات أخرى وإن تنافرت مع مخزونهم التاريخى فى المنطقة.

والتحالفات الاقليمية فى شرق إفريقيا  اليوم تقول  لم يبقى لشمال السودان حليف فى المنطقة غير الصومال المشغول بنفسه ومسلمى ارتريا المغلوبين على أمرهم، واما  عرب الشرق الأوسط  فحدث ولا حرج،على  حكومة الخرطوم اذا ليس لها خيار  الا ان ترجع الى  حلفائها الحقيقيين وتمد لهم  يد العون  فى الوقت المناسب وقبل فوات الاوان وخاصة المعارضة الأرترية التى هى فى حاجة الى الدعم الحقيقى وكما يجب خلق قيادة ارترية شابة إذا  ما فشل الحرس القديم  من القيادات  الآرترية  فى  التناغم  مع  الاحداث  الجديدة، وهذا  متاح لسودان ان اراد ذلك، بسبب  تواجد الارترين بكثرة فى السودان ومن ذوى الكفاءات العالية  والتعامل  بالمثل هو ا جدى فى السياسة بدلا من سياسة النعامة التى  لا تثمن ولا تغنى من جوع. من هنا يجب فى اسرع وقت على الساسة فى الخرطوم نقل المسألة الارترية من الملف الامن الى الملف السياسي والإستراتيجى.

النظام الارترى  بدأ فى إعداد  محاربون جدود لخلق نيفاشة جديدة، وجوبا من الان بدأت تصنع بعض  الكروت،وعلى الساسة فى القصر الجمهورى ان يدركوا حكمة {العين بالعين ... ولكم فى القصاص حياة يا أولي الألباب ...}

وجملة القول ان انفصال السودان سوف يخلق فى المنطقة تعامل جديد ومناخ سياسيى مختلف عما كان عليه سابقا وبالتالى  الإستفتاء المزمع عقده فى التاسع من يناير لن يجلب  حلم السلام الحقيقى والرخاء فى المنطقة كما يريده الشعب السودان فى الشمال والجنوب، الا أننا  نتمنى  ان لا يكون نهاية الهدنة .  فاليحفظ الله  السودان  وأهله فى الشمال  والجنوب معا من كل مكروه.