مؤتمر الحوار الوطنى إلى أين فى ظل صراع الفكر السياسي الأرترى ؟ (2)
نشر من قبل omaal في 06-06-2010

مؤتمر الحوار الوطنى إلى أين فى ظل صراع الفكر السياسي الأرترى ؟ (2)

بقلم أحمد نقاش

تحدثت فى الحلقة السابقة الى ان وصلت بى السطور الى تقسيم خطوط الفكر السياسي الارترى الى ثلاثة مشارب واضحة المعالم  تتجدد الى يومنا هذا فى اشكال مختلفة وتحت مسميات متنوعة وهذه الخطوط هى :

-         الفكر السياسي الاقصائى

-         الفكر السياسي الحقوقى

-         الفكر السياسي الوفاقى

صحيح قد  تكون مثل هذه  التقسيمات والاصطلاحات جديدة فى قاموس مفردات السياسة الارترية وقد لا تكون مطابقة للموصفات العالمية فى مفهومه الاكاديمى،بما ان كل فعلى بشرى لا يخلو من التفكير وبذات فى الفعل السياسي،جاز لنا ان نستنبط هذه التقسيمات من ساحة السياسة الارترى الممارسة من الناحية العملية ،مثل عالم اللغة الذى يستنبط  قواعد النحو من اللغة المتداولة ذاتها. خاصة اذا  وضعنا فى الاعتبار ان بعض النخب السياسية فى ارتريا اجبن من ان تزيل الاقنعة عن وجهها.

عند بدأ الحراك السياسي الارترى فى اربعنيات القرن الماضى فى ظل احتلال البريطانى ظهرت على السطح  كثير من الاحزاب السياسية  ابرز هذه الاحزاب هى :

1-    حزب الوحدة مع أثيوبيا {اندنت} والنخب السياسية لهذا الحزب  كانت فى معظمها من {المسيحين التقرينية} وكانت  تمثل قمة الفكر السيياسي الاقصائ فى تلك المرحلة ،وافكار هؤلاء كانت تتمحور فى الاستحواز على مقاليد السلطة وإقصاء كل الثقافات والتنوع من اجل سيادة ثقافة واحدة ولغة واحدة فى بلد متعدد الاعراق والثقافات وعند ما علموا استحالت تحقيق هذه الاهداف بمفردهم اتخذوا سياسة ضم ارتريا الى اثيوبيا بعد ان وعدتهم هذه الاخيرة بتمكينهم من مقاليد السلطة فى الاقليم الارترى،ومن اهم وسائل اقناع الشعب من اجل تحقيق الوحدة كانت العزف على المشاعر القومية والدينية،وتخويفهم من إخوانهم فى الوطن.بل مارسوا الارهاب المنظم ضد كل من ينادى تحقيق الاخوة الوطنية والاستقلال.

2-    حزب الرابطة الاسلامية  والنخب السياسية لهذا الحزب كانت تمثل الفكر السياسي الحقوقى،بمعنى كانت تطالب بحقها فى الوطن والحياة دون اقصاء احد لذا كانت تتمحور مطالبها فى تحقيق الاستقلال الكامل لارتريا، وجل نخبها السياسية كانت من ابناء المسلمين فى عموم البلاد فى المنخفضات والمرتفعات على حد سواء،ومن ابرز وسائلها كانت تخويف اتباعها من ان الانضمام الى اثيوبيا سيجعل منهم رعايا بلا حقوق تذكر قياسا على اوضاع المسلمين فى اثيوبيا الامبراطورية فى تلك المرحلة،فضلا عن المميزات التاريخية والثقافية  لارتريا عن اثيوبيا.

3-    حزب التقدمين الاحرار ،ومعظم نخبه السياسية كانت تتكون من ابناء {المسيحين التقرينية} على وجه التحديد من اقليم { اكلى قوزاى }وهذه النخبة كانت تمثل الفكر السياسي الوفاقى بإعتبار انها كانت  ترفض الانضمام الى اثيوبيا الامهرية وبتالى كانت تفضل الاستقلال فى ظل الوفاق ما  بين طرفى الوطن الارترى.ومن ابرز وسائلهم كانت العزف على المشاعر الاقليمية  الا ان المشاعر الدينية وتهديد الحرمان من الطقوس الدينية التى اجاد استخدامها حزب الوحدة عبر {الاب مارقوص}اخذت منهم الكثير من اتباعهم،وهذا  الحزب شكل فيما بعد مع الرابطة الاسلامية ما عرف فى التاريخ الارترى {حزب الكتلة الاستقلالية}

هذا الخط الثلاثى  هو الذى يسود الى الان فى صراع الفكر السياسي الارترى مهما اختلفت المسميات والالوان،وبتالى يمكن ان نعتبر هذه الخطوط معيار ومقياس للمشهد السياسيى الارترى.

 قبل تأسيس الكفاح المسلحة من عام 1961 اصحاب الفكر الحقوقى والفكر الوفاقى كانوا يتفاكرون فى عاصمة الكنانة {القاهرة} امثال الشيخ ابراهيم سلطان وادريس محمد ادام وعثمان صالح سبي وولدأب ولد ماريام وغيرهم فى كيفيت تأسيس الكفاح المسلحة لاستعادة الحقوق الوطنية.

وفى نفس المرحلة قام اصحاب الفكر الاقصائى فى العاصمة الاثيوبيا بتنظيم انفسهم فيما عرف بخلية {أديس أبابا } على رأس هذه المجموعة السيد {اسياس افورقى} وأهم تطور الذى احدثته هذه المجموعة هو محاولة تنظير للفكر السياسي الاقصائى على شكل كتيب صغير تحت عنوان { نحن وأهدافنا}.

بعد بدع سنين من  انفجار الثورة الارترية التقيا كل من  مجموعة القاهرة التى كان لها الدور الكبير فى تأسيس الكفاح المسلحة ومجموعة خلية اديس فى رحاب النضال الوطنى ولكن لكل  منهم مشاربه وخلفياته فى التوجه السياسي فضلا عن نقاط القوة والضعف لكل منهما :

مجموعة القاهرة كان لها تأثير مباشر على معظم المناضلين فى الساحة النضالية فى تلك المرحلة لاسباب اقلمية واجتماعية وهذه كانت  من اهم نقاط القوة لديها،ونقاط الضعف لهذه المجموعة بدأت بالممارسة العملية للفعل السياسي قبل ان تضع له أسس  نظرية تسترشد بها فى عملها اليومى ونظرتها لمستقبل البلاد والعباد فى عملية اشبه ما تكون بوضع العربة أمام الحصان،فضلا عن الخلافات المبكرة التى دبت فى نخبها السياسية.

مجموعة خلية أديس كان تأثيرها معدوم على القوة المسلحة وهذه كانت نقطة الضعف التى كانت  تعانى منها،اما نقاط القوة لهذه المجموعة كانت  تتمثل فى تحديد رؤيتها وأهدافها التى تريد تحقيقها فضلا عن انها تعرفت على التناقضات الاجتماعية والثانوية التى استخدمتها بشكل بارع لتشتيت وحدة اصحاب الفكر الحقوقى وبتالى خلية اديس   استطاعت ان تضع الحصان امام العربة اى التنظير قبل العمل { كتيب نحن واهدافنا } كان يعتبر بنسبة لها بمثابة خريطة الطريق. ومن يضع الخريطة يصل الى الهدف حتى لو كان الهدف غير نبيل.

هكذا مثلت {الجبهة الشعبية لتحرير ارترية } فى فترة الكفاح المسلحة قمة الفكر الاقصائى بجدارة وكانت خير خلف لشر سلف .

وجبهة التحرير الارترية بمختلف فصائلها المتناثرة كانت تمثل لفترة طويل الفكر السياسي الحقوقى والوفاقى معا الا ان جبهة التحرير الارترية كل ما تعرضت لضعف جسدى انعكس ذلك الى الضعف الفكرى،وكل ما قوى الفكر الاقصائى ضعف اصحاب الفكر الحقوقى وكل ما ضعف اصحاب الفكر الحقوقى احتار اصحاب الفكر الوفاقى منهم من ثبت فى فكره الوفاقى ومنهم من شد الرحال الى اصحاب الفكر الاقصائ.وخاصة بعد خروج جيش التحرير الارترى من الساحة الارترية،واصبحت السيطرة بالكامل فى ارتريا لخلية اديس واصحاب الفكر الاقصائى الى ان حقق  الشعب الارترى تحرير ترابه الوطنى بالكامل.

هكذا مثلت مرحلة ما بعد الاستقلال، العصر الذهبي لكل اصحاب الفكر الاقصائى ومن معهم من كومبارس من المسميات المحمودة والمعبودة،وبدأ ينطلق صاروخ العصر الذهبى بسرعة خيالية الى ان اصطدم بمثلث بادمى الحدودى لان كتلوج نحن واهدافنا لم يستطيع التحكم فى صاروخ العصر الذهبى المتطور.

هكذا كل ما وصل الفكر الاقصائى ذروته من نشوة السلطة والتجبر بدأت تبد شروره وعيوبه الفاضحة مما  كان احد الاسباب التى ادت الى صراع داخل الحزب الحاكم على المستوى السياسي والاجتماعى والاقليمى،وكل هذه المكونات شعرت وتأكدت بأن ربان السفينة يقودها الى طريق مجهول،من هنا حدث زلزال داخل الفكر القومى الاقصائى المتشدد مما انعكس كل ذلك الى تغير المواقع والاماكن،اما الهزات الارتدادية احدثت كذلك تغير المواقع داخل مدرسة جبهة التحرير الارترية .

ايام قعقعت السلاح فى الساحة الارترية لم يفكر الكثير من النخب السياسية الارترية بالهدوء والعقلانية لمستقبل البلاد لان العدو الظاهر كان واحد الا وهو العدو الاثيوبى،وعندما تحقق حلم الشعب بتحرير البلاد لم يرى احد بإعوجاج فكر النظام الحاكم الا من رحم ربه،اما بطانة السوء من اصحاب الفكر الاقصائى لم يدركوا خطورت الرجل على فكرهم  الاقصائى وهم فى قمة السكر من  نشوة الانتصار،الا ان الوقت كان كفيل لازالت العمى عن الابصار شيئا فشيئا وحرب بادمى ازالت العمى عن  كل شيئ حتى عن  البصيرة،من هنا بدأ العدد التنازلى للنظام ومن  بنى معه هذا الصرح الاقصائى ،وبتالى تخلى الكثير من اصحاب الفكر الاقصائ فى الداخل والخارج عن النظام الحاكم فى أسمرا وهؤلاء يمكن تقسمهم الى عدد من  مجموعات:

-         مجموع إرتأت ان تهور النظام يهدد المشروع القومى برمته وبتالى يجب اعادت ترتيب الاوراق من خارج النظام للحيلولة دون انهاير المشروع القومى الاقصائى والمكتسبات التى تحققت مع انهاير النظام وزواله الذى اصبح شر لابد  منه من هنا تطرح هذه المجموعة وفروعها  { فلسفة التغير السلمى} ليس حبا للحل السلمى فى حد ذاته،لكن خوفا من ان يؤدى الحراك المسلحة من اعادة توازن القوى لصالح اصحاب الفكر الحقوقى .

-         مجموعة ادركت ان الفكر الاقصائى الذى كانوا جزءا منه يهدد مستقبل الوطن  بشكل شامل وبتالى منهم من تحول الى الفكر الوفاقى ومنهم من اعتزل العمل السياسي.

-         مجموعة  كان دورها فى الفلم دور الكومبارس من اجل الديكور الوطنى وادركوا ذلك وبتالى ارادوا اعادت الكرامة الى انفسهم بالخروج  من هذا الدور الذى اضل الكثير من مجتمعاتهم وفيئاتهم الاجتماعية والاقليمية  لعقود من الزمان.

-         مجموعة انتهازية مصلحية تتحكم فى حركتها المصلحة الذاتية منهم من نشأ مع النظام الحاكم ومنهم من التحق اليه قبل وبعد الاستقلال تحت حجج واهية واغلبهم من اسماء مسلمة عند  ما فقدوا مصالحهم او خافوا على حياتهم هربوا من النظام وان كان اغلبهم مازال  يدور حول حمى  التنظيمات الاقصائية المحسوبة على قوى المعارضة الارترية ظنا منهم ان هذه التنظيمات هى البديل القادم.

وجملة القول الان هناك سناريوهات ثلاث فى مستقبل المشهد السياسي الارترى وهى :

1-    استمرار الوضع على ما هو عليه هذا ما يطمح اليه النظام الحاكم فى اسمرا

2-    تغير شكلى من خلال مشاركة بعض التنظيمات الاقصائية فى قوى المعارضة الارترية فى نظام الحكم فى اسمرا بعد اجراء انتخابات شكلية يتم الاتفاق حولها ويتوقع بعض المحليلين فى الشأن الارترى ان يبدا هذا السيناريو فى اواخر 2011 كنتيجة للمساعى السرية التى تقوم بها بعض الدوائر الخارجية وشروط نجاح  هذا السيناريو هو :

-         تغير السياسة الخارجية للنظام الحاكم فى اسمرا .

-         عدم تهديد مصالح قوى الكبرى فى المنطقة.

-         تحقيق السلام مع أثيوبيا.

والعمود الفقرى للنجاح هذا المخطط ان تقتنع  اثيوبيا بمثل هذه الحلول الترقيعية التى يسعى لتحقيقيها اصحاب الفكر الاقصائى فى الخارج  بتنسيق مع النظام الحاكم فى اسمرا تحت رعاية بعض الدوائر الدولية ذات طابع مؤسسات مجتمع مدنى،ومؤتمر لندن للسلام الذى عقدته بعض المجموعات الارترية فى شهر مايو المنصرم بدعم سخى من هذه الدوائر ليس ببعيد عن مثل هذه المشاريع.الا ان الموقف الاثيوبى الى الان يعتبر من المؤيدين والدعمين الاساسين لانعقاد ملتقى الحوار الوطنى الارترى للتغير الديمقراطى،لعل هذا ما يزعج مخططات اصحاب الفكر الاقصائى ،فى الوقت الذى يجعل اصحاب الفكر الحقوقى والوفاقى امام مسؤولية تاريخية لانجاح هذا الملتقى للحيلولة دون انتكاسة  التغير الديمقراطى الشامل فى ارتريا  الذى يلوح فى الافق،اما اذا فشل هذا الملتقى لا قدر الله ان دول الجوار الداعمة لهم قد تضطر لقبول السيناريو  الاخر الذ يسعى له اصحاب الفكر الاقصائى، لان العمل السياسي فى النهاية فن تحقيق الممكن.

 

3-    التغير الشامل  اى ازالت منهج  النظام الحاكم واقامة البديل الديمقراطى الذى تسعى له معظم قوى المعارضة الارترية فى التحالف الديمقراطى الارترى وخارجه.

وأصحاب التغير الشامل يريدون عقد ملتقى الحوار الوطنى كمقدمة  لوضع النقاط فوق الحروف لمستقبل ارتريا،وهم يتحركون بثقة اكثر من اى وقت مضى لوجود التأيد الشعبيى العارم لهم.

اما اصحاب التغير السلمى او الاقصائى  لا ينظرون الى مثل هذا الملتقى بعين الرضى بإعتبار انهم لا يبحثون عن التغير الشامل بقدرما يبحثون عن تأمين المكتسبات التى تحققت فى غفلة من الزمن،وبتالى مثل هذا المؤتمر قد يفسد عليهم كل المخططات او بعضها،وان كان تحركهم الان دون غطاء المشاعر القومية التى كثيرا ما إستندوا اليها من قبل،وان اصبح عقد هذا الملتقى واقع ملموس ولا يستبعد ان يتعاملوا معه من باب شر لابد منه وخاصة فى ظل ضغوطات دول الجوار الارترى،لذا لا يستبعد عودة المنسحبين من الملتقى،خاصة اذا ما توصل اصحاب الفكر الاقصائى فى الخارج مع من فى الداخل لحلول وسطية من باب الحرب  داخل الملتقى افضل من خارجه.

 الاحداث الاخيرة  فى مسألة انعقاد ملتقى الحوار الوطنى الارترى للتغير الديمقراطى من عدمه يمكن قراءاتها فى هذا  السياق التاريخى لصراع الفكر السياسي الارترى والصورة تتضح أكثر كل ما حرك الرسام رشاته بشكل جيد على الوجوه.